
أنهى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مهام الوزير الأول نذير العرباوي، وقرر تعيين وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني سيفي غريب وزيرا أول بالنيابة خلفا له، وفق ما أوردته الرئاسة الجزائرية في بيان لها.
وأصبح العرباوي بذلك، ثالث وزير أول تنتهي مهامه منذ تولي تبون رئاسة الجمهورية، بعد عبد العزيز جراد وأيمن بن عبد الرحمن، في خطوة يرى متابعون أنها تحمل ملامح تعديل حكومي واسع مع بداية العهدة الثانية للرئيس.
وجاء العرباوي الذي عُيّن في نوفمبر 2023، إلى الحكومة من خلفية دبلوماسية بحتة، إذ كان يشغل منصب ممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة قبل أن يستدعى إلى الجزائر لتولي منصب مدير ديوان رئاسة الجمهورية، ثم يُعيَّن وزيرا أول بشكل مفاجئ.
ورغم أن اسمه ارتبط حينها بتسيير مرحلة أواخر عهدة الرئيس تبون الأولى وتسيير الانتخابات الرئاسية، إلا أن الرئيس أبقى عليه حتى بعد فوزه بعهدة ثانية في أيلول/سبتمبر 2025.
غير أن فترة العرباوي شهدت في الأسابيع الأخيرة انتقادات حادة، بلغت ذروتها بعد كارثة سقوط حافلة في وادي الحراش بالعاصمة، والتي خلفت 19 وفاة وكشفت عن خلل هيكلي في منظومة النقل والصيانة وتراخٍ في تطبيق قوانين المرور.
وقد أثار غيابه عن الساعات الأولى للفاجعة غضبا شعبيا ووسع دائرة الانتقادات ضد الحكومة، ما دفع الرئيس تبون إلى عقد اجتماع خاص مع عدد من الوزراء أقر خلاله قرارات عاجلة تخص قطاع النقل، منها فتح استيراد الحافلات والعجلات وإعادة النظر في تسيير القطاع.
وقد لفت الانتباه في هذا الاجتماع الذي جرى قبل يومين، غياب العرباوي من بين الحاضرين رغم أنه يفترض أنه المعني الأول به، وكان ذلك علامة واضحة على وجود نية للاستغناء عن خدماته.
كما غاب في الاجتماع أيضا وزير التجارة الخارجية كمال رزيق، الذي يواجه بدوره انتقادات بسبب سياسة تقييد الاستيراد التي اعتبرها منتقدوه سببا في خلق بيروقراطية خانقة أضرت بالسوق الوطنية وبحركية المبادلات التجارية.
وقد تكون هذه إشارات على وجود رغبة لدى الرئيس في إجراء تعديل حكومي واسع، يكون بمثابة أول تغيير فعلي في مطلع العهدة الثانية.
وقد يشقّ على كثيرين تقييم العرباوي الذي عرفت فترته بطابعها الصامت، حيث لم يجر أي مقابلة صحفية، واكتفى بالظهور في اجتماعات مجلس الحكومة ومجالس الوزراء وتمثيل الرئيس في مناسبات خارجية.
كما لم يعلق في الأذهان أية قرارات اتخذها وظل دائما يحاول الابتعاد عن الأضواء متواريا وراء الرئيس الذي يخرج بشكل دوري للإعلام.
وكانت آخر نشاطات العرباوي الخارجية زيارة إلى إسبانيا، التي استعادت الجزائر علاقاتها معها مؤخرا، حيث وجّه دعوة لرئيس حكومتها بيدرو سانشيز لزيارة الجزائر.
واللافت في كل رؤساء الوزراء الذين مروا على المنصب في عهد الرئيس تبون أنهم مكثوا حوالي السنتين.
فعبد العزيز جراد الذي عُيّن بعيد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019 واجه تحديات جائحة كورونا واحتجاجات اجتماعية متفرقة، قبل أن يُنهى مهامه في يونيو 2021.
وخلفه أيمن بن عبد الرحمن الذي أدار الحكومة في فترة حساسة شهدت أزمة اقتصادية وانخفاض عائدات المحروقات، لكنه بدوره لم يستمر طويلا حيث أنهيت مهامه في نوفمبر 2023.
وعلى غرارهم، لم يُكمل العرباوي عامين في منصبه، ما يعكس تواصل عدم الاستقرار على مستوى رئاسة الجهاز التنفيذي، وفق ما ترصده بعض المتابعات، ناهيك عن عشرات الوزراء الذين أقيلوا خارج التعديلات الحكومية الكبيرة.
أما خليفة العرباوي بالنيابة، سيفي غريب، فهو شخصية تكنوقراطية يُنظر إليها على أنها بعيدة عن الاصطفافات الحزبية والسياسية.
وقد عُيّن وزيرا للصناعة والإنتاج الصيدلاني في نوفمبر 2024، وهو خبير في الهندسة والاقتصاد الصناعي، وحاصل على شهادات عليا في هذا المجال، إضافة إلى دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية للمواد.
تولى في مساره عدة مناصب بارزة، منها الرئيس المدير العام للجامعة الصناعية بوزارة الصناعة، إلى جانب إشرافه على شركات وطنية مثل “سيدار”.
ولا يعرف إن كان تعيينه مجرد فترة انتقالية قصيرة لتسيير أعمال الحكومة، أم سيكون مقدمة لتثبيته في المنصب، خاصة أن كثيرا من القراءات باتت ترى ضرورة تعيين شخصية بخلفية اقتصادية في رئاسة الحكومة، بالنظر للتحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها البلاد.